الفراشة.. هنري شاريير





منذ فترة لم أكتب شيئاً حول قراءاتي، ولم يكن ذاك إلا لضعف قرائتي هذه الفترة وأنصرافي لغيرها، والآن أكتب لكم عن هذه الرائعة (الفراشة) للفرنسي (هنري شاريير) وقد كنت أقتنيتها منذ فترة ولكني لم أقرأها، وجاء اليوم الذي كانت بين يدي للقراءة وكانت بداية جيدة معها ولكنها لم تستمر فتقطعت فترة القراءة وطالت وبين حين وآخر أقرأ قليلاً، ومع هذا فقد كنت شغوفاً لإكمالها، فأكملتها اليوم.الفراشة لاتبدوا على أسمها، فمن يقرأ العنوان يظنها شاعرية أو رومانسية أو نحو ذلك وهي في الحقيقة موجعة في الألم، قصة حقيقية للمؤلف في السجون، ولن أقول الفرنسية، فهو تنقل في عدة سجون، قضى فيها ثلاثة عشر عاماً، ومرّ على عدة سجون لا إنسانية، ولم يكن يذعن لسجانه، وينتظر دنو أجل الحرية، وإنما كان يحاول مراراً وتكراراً الهروب وقد اشتهر في السجون كلها بأنه يهوى الهروب ويحاول قدر المستطاع. وعندما تقرأ تظن أنك تشاهد فيلم (أكشن) لمحاولة هروب من السجن، ولكني عندما بحثت عن الرواية وجدت أنها سيرة لحياته في السجن، فلم أصدق. شي خارق، ومحاولات خطيرة، ورمي لنفسه بهويات القدر الساحقة، فمرة تجده ضمن قبيلة للهنود (اظنهم الحمر) ويتزوج منهم اختين لينجب من كل واحدة ابناً، ومرة تجده يقتل أو يحاول قتل حرساً في السجن ليهرب، ومرة يفجّر جداراً ليهرب، ومرة يمثل دور الجنون لدخل لعنبر المجانين لأن صديقه السجين يعمل (ضمن الأشغال) في تنظيف عنبر المجانين، لينجو هو أخيراً ويموت صديقه بلطمة موج على حجر، ومرة يرمي بنفسه في البحر بعد مراقبة تحركات الأمواج وقوتها وان الموجة السابعة هو القوية والكفيلة بأن ترمي به لج البحر هو وصديقه، فيجعل نفسه فوق حامل واهٍ وغذاء قليل ليحمله المد والجزر للضفة الأخرى، ويغرق أخيراً صديقه ولكن ليس في البحر وإنما في الوحل، ثم يجد نفسه بين يدي أناس خطرين، قاتل محترف، وهارب، ولكنه يجد بغيته دائماً من المتعاطفين معه، ومن يريدون المساعدة فقط، وما إن يستقر في مكان آمناً حتى يهجره لسبب أو لآخر ويقع في مأزق جديد، وحتى النهاية بعد أن أخذ حريته في بلد ليس بلده، وصار موطناً شريفاً في نظر الدولة، وإلا فهو شريف يدافع عن حقه.هي ملحمة إنسانية حملت الكثير من العواطف، الحب، الكره، الرحمة، القسوة، الظلم، القهر، الأبوة.. وتضمنت الكثير من التعب والضنا النفسي والبدني.كنت أقرأها واقول هي حقاً رواية الحرية، حيث المحاولة وعدم التوقف عند نقطه في سبيل الحرية حتى وصل الامر إلى إلقاء النفس إلى التهلكة في سبيل نيلها، وأخيراً أخذها وبجدارة، وحق له ذلك، لصبره وجلده. كان متزوجاً قبل دخوله السجن، وفي هروبه الثاني ورحيله للهنود، والاستقرار عندهم تزوج من فتاة، ثم اتبعها بأختها، فأصبح يعتني يزوجتين أخوات، وحملت الاختين.. ثم هرب لظنه أنه سيعود إلى بلده، ولكنه عاد للسجن ونقل من سجن لأخر، وفي هروبه الأخير تزوج من هندية أيضاً ولكنها ليست كالأول، وعملوا جميعاً ولكنه ترك أمنه وهرب من المدينة إلى أخرى ولكنه وقع مرة أخرى في سجن هو الأخير ومنه أصبح حراً.
تتجلى الروح الإنسانية بأبهى صورها في هذه الرواية، ففيها تجد القوي يساعد الضعيف، والمحتاج على حاجته يعين العاجز..تصويره للمواقف جميل جداً، خصوصاً عندما يصف الحالة في السجن الإنفرادي، وأنت تقرأ تحس بمعاناته فكيف إذا بمن قضى ثلاث سنوات فيه وأكثر !! وفي الرواية تعرف معنى الصديق الحقيقي وكيف تكون مواقفه وقت الحاجة إليه.
* في سجن فرنسي كان هناك عدة أجناس من المساجين، لفت انتباهي إلى أنه يسمي العرب المساجين (ماعز)أو (العنز) فلان العربي ولا أعلم لماذا!* اسم الرواية لم يرد إلا في مرحلة عابرة ليست بذات أهميه في مسار الرواية، فقد كان يدير مطعماً ويبيع الفراشات لصالح صيادي الفراشات، وطلب منه رجل امريكي نوع معين من الفراشات ويريدها خنثى، ولكنه قال سأشتريها بخمسمائة دولار، اكتشف فيما بعد أن قيمتها ألف وخمسمائة دولار وعمل عملته في غشه فقد ركّب جناحا فراشة على جسد فراشة انثى وبهذا خدعه، ليكتشف الأمريكي الخدعة فيما بعد وتأتي الشرطة لتحمله ويمثل أمام المحكمة، ولكنه يخرج بسلام لأن الامريكي غشّه بقيمتها، ويتحمل الامريكي اتعاب المحكمة. ربما كان اختيار اسم الفراشة من هذه القصة لأنه قارنها بقصة دخوله السجن وهذه فكلاهما في محكمة ولكنه أخفق في الاولى ونجح في الثانية.
وعلى الغلاف الأخير:ملحمة انسانية تضج بالبهاء، لكل ما هو خارق وواقعي.. حكاية انسان يجترح المستحيل من اجل الحرية.. حريته في حياة عادية ينالها جميع الناس بدون استثناء ويجترعونها حتى السأم يوما بيوم.. حريته في النوم بأمان..في المشي والضحك..والانتقام أيضا. عفوية حتى الجرح..تنساب بعذوبة صريحة تروي في كل عبارة موقفا له علاقة وشيجة بمكونات النفس البشرية التي تختبئ في أعماقها أدنأ وأخس ما يمكن لنا أن نتصوره عن الرداءة الانسانية التي تصل حد القتل تقطيعا.. حتى ازدراء اللحم البشري بشهية والقاء كائن بشري طعاما للنمل اللاحم… لكنها في الوقت ذاته تمسح غبارا كثيفا عن مواقف في غاية النبل وعفوية صارمة تشمخ بلا تكلف أو ادعاء…إنها تجربة فذة تنسرب في الاعماق كزجاج مطحون..لا تهضم لكنها لا تنسى.. (بابيلون..إنها معركة إنسان لا يلين في سبيل الحرية.. بالضبط.. هي الحرية)
جاء في تعريفه : ولد هنري شاريير في 16 نوفمبر 1906 وتوفي في 29 يوليو 1973 في ضاحية أرديش الفرنسية. وحينما بلغ الثامنة عشر تطوع في البحرية الفرنسية وخدم فيها لمدة عامين، لينضم بعدها إلى العالم السفلي في باريس. وقد اتهم بجريمة قتل أحد السماسرة وأدين على الرغم من براءته، ولفقت التهمة بشاهد زور وأصدر الحكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة في 26 أكتوبر 1931. وبعد سجنه في كايين لمدة مؤقتة تم نقله إلى سجن مستعمرة غويانا الفرنسية. وفي عام 1970 أشعل شاريير النار في العالم، حينما نشر روايته “الفراشة” التي تحكي تجربته الحياتية على مدى 13 عاما، ابتداء من 1932 وحتى 1945. وصور في روايته البؤس والمعاملة اللا إنسانية للنظام الفرنسي بشأن المحكوم عليهم. وقد حقق كتابه فور نشره نجاحا واسعا وبيعت ملايين النسخ وتربع على قائمة الكتب الأكثر مبيعا في مختلف الأزمنة. اتجه شاريير إلى الكتابة مثل أي أمر آخر من دون أن يتبادر إلى ذهنه احتمال فشله في هذا الإطار. كان يكتب يوميا ما يقارب 5000 كلمة، وسرد أحداثا تعود إلى ما قبل 30 عاما بوضوح وحيوية. ووصف كتابه بأنه من الأعمال الكلاسيكية على صعيد الأدب المحكي بمعنى أنه كان يكتب كمن يروي لأحدهم قصته. وقد نشر تتمة سيرته في رواية “بانكو” التي حققت نجاحا واسعا أيضا. ويصف في كتابه محاولات هروبه التسع، منذ وصوله السجن وحتى نيل حريته في فنزويلا بعد مضي ثلاثة عشر عاما، ويصف بدقة الآلام والعذابات التي عانى منها وصحبه في الأسر، مما يترك القارئ منقطع الأنفاس .. مبهورا أمام الشجاعة التي يملكها هذا الإنسان.
الرواية: الفراشةالمؤلف: هنري شارييرالترجمة: تيسير غراويالطبعة: التنوير + الفارابي. 2007الصفحات: 456التحميل: من هنا
= ماكتب أعلاه كتب على عجل وبدون مراجعه دقيقة، وبدون ترتيب، فأغفروا الزلل، وتجاوزوا : )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق